خطبة الجمعة القادمة بعنوان : أهمية الاستثمار في حياتنا ، للدكتور محمد حرز
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : أهمية الاستثمار في حياتنا ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 26 شوال 1443هـ، الموافق 27 مايو 2022م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 27 مايو 2022م بصيغة word بعنوان : أهمية الاستثمار في حياتنا ، للدكتور محمد حرز.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 27 مايو 2022م بصيغة pdf بعنوان : أهمية الاستثمار في حياتنا ، للدكتور محمد حرز.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 27 مايو 2022م بعنوان : أهمية الاستثمار في حياتنا.
أولًا: دينُنَا يدعُو إلى الاستثمارِ.
ثانيــــًا : صفاتُ المستثمرِ الوطنِيِّ.
ثالثًا وأخيرًا: الصحابةُ الأخيارُ خيرُ مثلٍ للاستثمارِ الوطنِي.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 27 مايو 2022م بعنوان : أهمية الاستثمار في حياتنا : كما يلي:
خطبةُ الجمعةِ القادمةِ: أهمية الاستثمار في حياتنا د. محمد حرز بتاريخ: 26 شوال 1443هــ – 27 مايو 2022م
الحمدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ:﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾(التوبة:105)،وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وليُّ الصالحين، وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وصفيُّهُ من خلقهِ وخليلُهُ، القائلُ كما في حديثِ الْمِقْدَامِ – رضى اللهُ عنه – عَنْ رَسُولِ اللَّهِ – صلَّى الله عليه وسلم – قَالَ : “مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ – عَلَيْهِ السَّلاَمُ – كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ) ((رواه البخاري) ، فاللهم صلِّ وسلمْ على مسكِ الختامِ، وخيرِ مَن صلَّى وصامَ، ووقفَ بالمشعر وطافَ بالبيتِ الحرامِ، ، وعلى آلهِ وصحبهِ الأعلامِ، مصابيحِ الظلامِ، خيرِ هذه الأمةِ على الدوامِ، وعلى التابعينَ لهم بإحسانٍ والتزام.
أمَّا بعدُ: فأوصيكُم ونفسي أيُّها الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران :102).
أيُّها السادةُ:(( أهمية الاستثمار في حياتنا)) عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا
أولًا: دينُنَا يدعُو إلى الاستثمارِ.
ثانيــــًا : صفاتُ المستثمرِ الوطنِيِّ.
ثالثًا وأخيرًا: الصحابةُ الأخيارُ خيرُ مثلٍ للاستثمارِ الوطنِي.
أيُّها السادةُ : بدايةً ما أحوجَنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلى أنْ يكونَ حديثُنَا عن المستثمرِ الوطنِيِّ وخاصةً بعدمَا تحدثنَا في الجُمُعَاتِ الماضيةِ عن التاجرِ الأمينِ وعن الصانعِ المتقنِ، و الزارعِ المجدِّ وخاصةً ووزارتُنَا تهدفُ مِن وراءِ هذه الخطبِ إلى تشجيعِ التجارةِ والصناعةِ والزراعةِ والاستثمارِ، كلُّ هذا مِن أجلِ المحافظةِ على وطنِنَا مصرَ الغاليةِ مِن أجلِ رفعتِهَا ونهضتِهَا وتقدمِهَا في جميعِ المجالاتِ التجاريةِ والصناعيةِ والزراعيةِ والاستثماريةِ، وخاصةً ولا يخفَى على أحدٍ ما يمرُّ بهِ العالمُ اليومَ مِن ارتفاعٍ للأسعارِ أرهقَ الناسَ حتى في نومِهِم ليكونَ هذا دَافعًا للمحافظةِ على مصرِنَا وعلى عدمِ العبثِ بأمنِهَا واستقرارِهَا في زمنِ الأزماتِ الماليةِ والاقتصاديةِ الرهيبةِ التي يمرُّ بها العالمُ لنثبتَ للدنيَا كلِّهَا أنَّ مِصْرَنَا الغاليةَ بفضلِ اللهِ أولًا ثم بفضلِ قيادتِهَا الحكيمةِ ورجالِهَا المخلصين قادرةٌ على تحدِّي الصعابِ والوصولِ بهَا إلى برِّ الأمانِ، وخاصةً والاستثمارُ سببٌ مِن أسبابِ تقدمِ الأممِ والشعوبِ.
وخاصةً ونحنُ نعيشُ زمانًا انتشرَ فيهِ التسولُ ومَدِّ الأيدِي إلى الناسِ بصورةٍ مخزيةٍ من الرجالِ والشبابِ بل ومِن النساءِ ولا حولَ ولا قوةَ إِلّا باللهِ.
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة
أولًا: دينُنَا يدعُو إلى الاستثمارِ.
أيُّها السادةُ: دينُنَا الحنيفُ حثَّنَا وأمرَنَا بالاستثمارِ والعملِ والسعيِ في الأرضِ طلبًا للرزقِ وطلبًا للحلالِ وعدمِ التسولِ، وحظَّرَ مِن البطالةِ وخطرِهَا على الفردِ والمجتمعِ.
فالإسلامّ دينُ الاستثمارِ دينُ العملِ والاجتهادِ دينُ النشاطِ والحيويةِ دينُ الريادةِ والعطاءِ، دينُ السعيِ في الأرضِ بحثًا عن الرزقِ وطلبًا للحلالِ، وليس دينَ الكسلِ والخمولِ، قالَ ربُّنَا ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾(التوبة:105) ، والمسلمُ ما خُلِقَ ليكونَ عالةً، ولا ليكونَ نكرةً في الحياةِ، ولا ليكونَ عطَّالًا بطَّالًا، فالمسلمُ هو العابدُ في مسجدهِ، والتاجرُ في سوقهِ، والبنّاءُ في أرضهِ، والمزارعُ في بستانهِ، والمستثمرُ في وطنهِ يملأُ الأرضَ عبادةً للهِ وعمارةً لأرضِ اللهِ، فهو كالغيثِ حيثُمَا وقعَ نفعَ، يعملُ لأخرتِهِ كأنَّهُ سيموتُ غدًا، ويعملُ لدنياهُ كأنَّهُ يعيشُ أبدًا، والعملُ سرُّ البقاءِ، وروحُ النماءِ، وأساسُ البناءِ، قالَ جلَّ وعلا: ((هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ))(الملك: 15 ) والاستثمارُ هدفٌ عظيمٌ ونبيلٌ مِن أعظمِ الأهدافِ وأنبلِهَا لعمارةِ الأرضِ، والاستثمارُ هو العملُ على تنميةِ المالِ والإسهامُ في عمارِ الكونِ والحياةِ، والاستثمارُ هو الزيادةُ والنماءُ واستغلالُ الطاقاتِ والإمكاناتِ المتاحةِ للإنسانِ وتوظيفُهَا توظيفًا مناسبًا قالَ جلَّ وعلا((هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا(((هود: 61 ( .. وكيفَ لا ؟ والاستثمارُ بهِ تقومُ الحياةُ، وتُعَمَّرُ الديارُ، وتزدهرُ الأوطانُ، ويحدثُ الاستقرارُ، قالَ جلَّ وعلا: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة: 10]. وكيف لا؟ والاستثمارُ الشاملُ أُعِدَّ عبادةً يتقربُ بها المستثمرُ المسلمُ للهِ تعالى بعمارةِ الكونِ، فهو ينطلقُ مِن مفهومِ الاستخلافِ وفلسفتهِ في العلاقةِ بينَ الإنسانِ والكونِ ومالكهُمَا ربّ العالمين ،قال جلَّ وعلا ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ﴾ (الأنعام: 165). وكيفَ لا؟ والإسلامُ ينظرُ إليه نظرةَ احترامٍ وتكريمٍ وإجلالٍ، لذا قرنَ اللهُ العملَ بالجهادِ في قولِهِ سبحانَهُ: ﴿ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾(المزمل: 20). وكيفَ لا؟ والنبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم استثمرَ وتاجرَ بمالِ خديجةَ – رضي اللهُ تعالى عنها وأرضاهَا ـ فكانَ خيرَ تاجرٍ وخيرَ مستثمرٍ بأبي هو وأمي صلَّى اللهُ عليه وسلم. وكيفَ لا؟ ونبيُّنَا صلَّى اللهُ عليه وسلم قالَ: (( اليدُ العُلْيَا خيرٌ من اليدِ السفلى، فاليدُ العليا هي المُنْفِقَةُ، والسفلى هي السائِلَةُ)رواه البخاري. وكيفَ لا؟ والمالُ عصبُ الحياةِ، ووسيلةٌ إلى مرضاةِ اللهِ ولا تستقيمُ أمورُ الأفرادِ والجماعاتِ والأممِ إِلّا بهِ، لذلكَ نجدُ الأممَ تهتمُّ بهِ غايةَ الاهتمامِ، فتُضَعُ لهُ التشريعاتُ والقوانينُ والأحكامُ، وتُؤسسُ لهُ الوزاراتُ والمؤسساتُ والمصارفُ والبنوكُ، وهذه وتلك تُعْنَى بجميعِ ما يتعلقُ بالمالِ مِن مواردَ ومصاريف، وبرامجِ التنميةِ والاستثمارِ، والحفظِ والادخارِ، بل ويُستخدَمُ المالُ في رسمِ السياساتِ، وتحديدِ الأولوياتِ، والوصولِ إلى تحقيقِ كبيرِ المراداتِ، وجليلِ الغاياتِ، وقد سُمِّيَ المالُ مالًا؛ لأنَّهُ يميلُ بالناسِ، ومع ذلك فالناسُ إليهِ تميلُ، إلّا ذوي النفوسِ الكبيرةِ، والهممِ الخطيرةِ، فـ ( نعمَ المالُ الصالحُ للرجلِ الصالحِ) ، فلنتسابقْ في ميادينِ العملِ والاستثمارِ مِن أجلِ النهضةِ بوطنِنَا، والإنفاقِ في مصالحِ الدولةِ والأمةِ، وليكنْ المالُ في أيدِينَا لا في قلوبِنَا فلقد كانَ أصحابُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلم يتسابقونَ على فعلِ الخيراتِ، وعملِ الطاعاتِ، لا على جمعِ المالِ، روى الإمامُ أحمدُ في مسندِه عن مُوسَى بْنُ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ يَقُولُ : ( بَعَثَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ” خُذْ عَلَيْكَ ثِيَابَكَ وَسِلَاحَكَ ، ثُمَّ ائْتِنِي ” . فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَصَعَّدَ فِيَّ النَّظَرَ ثُمَّ طَأْطَأَهُ فَقَالَ : ” إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَكَ عَلَى جَيْشٍ فَيُسَلِّمَكَ اللَّهُ ، وَيُغْنِمَكَ ، وَأَرْغَبُ لَكَ مِنْ الْمَالِ رَغْبَةً صَالِحَةً ” . قَالَ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَسْلَمْتُ مِنْ أَجْلِ الْمَالِ ، وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ ، وَأَنْ أَكُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَقَالَ : ” يَا عَمْرُو نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلْمَرْءِ الصَّالِحِ (( فالاستثمار سبيل التقدم والنهضة والازدهار ولله در القائل :
وما نيلُ المطالــبِ بالتمنِّــــي*** ولكنْ تؤخــذُ الدنيَا غِلابَا وما استعصَى على قومٍ منالٌ**** إذا الإقدامُ كانَ لهُم ركابَا
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة
ثانيــــًا : صفاتُ المستثمرِ الوطنِيِّ.
أيُّها السادةُ: الاستثمارُ مطلبٌ شرعيٌّ، وواجبٌ وطنيٌّ، وعملٌ إنسانيٌّ، وَمَسْؤُولِيَّةٌ مُجْتَمَعِيَّةْ ومقصدٌ مِن مقاصدِ الشريعةِ الإسلاميةِ، الكلُّ مطالبٌ بهِ، والكلُّ محاسبٌ عنه بينَ يدىِ اللهِ لمَن فرطَ وأهملَ واستباحَ، وخاصةً ووطنُنَا في حاجةٍ إلى سواعدِ الجميعِ في التضحيةِ والبناءِ والاستقرارِ والتنميةِ والتقدمِ والرقيِ والازدهارِ كلٌّ في مجالِهِ وتخصصهِ، وخاصةً وأنَّ مصرنَا الغاليةَ مستهدفةٌ مِن الداخلِ والخارجِ مِمَّن يريدون النيلَ منها، ومِن أمنِهَا واستقرارِهَا؛ لتعُمَّ الفوضَى والخرابُ والهلاكُ والدمارُ، ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ. وهذا مِن أهمِّ صفاتِ المستثمرِ الوطنيِّ حبُّهُ لوطنهِ والتضحيةُ مِن أجلهِ والعملُ على رفعتِهِ ونهضتِهِ وتقدمِهِ، وتقديمُ المصلحةِ العامةِ على المصلحةِ الخاصةِ، والإسهامُ الحقيقيُّ في بناءِ وطنهِ، وحثُّ المستثمرين أصحابهُ في الداخلِ والخارجِ على الاستثمارِ في وطنِنَا مصرَ الغاليةِ
مصرُ الكنانةُ ما هانتْ على أحدٍ*** اللهُ يحرسُها عطفًا ويرعَاها
ندعوكَ يا رب أن تحمِى مرابعَها *** فالشمسُ عينٌ لها والليلُ نجواهَا
مَن شاهَدَ الأرْضَ وأَقْطَارَها *** والنَّاسَ أنـواعًا وأجناسًا
ولا رأى مِصْـرَ ولا أهلَهَا *** فما رأى الدنيا ولا الناسَ
ومِن أهمِّ صفاتِ المستثمرِ أنْ يكونَ مالُهُ مِن حلالٍ وتجارتُهُ مِن حلالٍ واستثمارُهُ مِن حلالٍ ليس حرامًا فاللهُ طيبٌ لا يقبلُ إلّا طيبًا لذا كان عمرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يقولُ : كُنَّا نَدَعُ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الْحَلَالِ مَخَافَةً مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ……. والمالُ الحرامُ يعمِي البصيرةَ، ويضعفُ البدنَ، ويوهنُ الدينَ، ويظلمُ القلبَ، ويقيدُ الجوارحَ عن طاعةِ اللهِ …. وللهِ درُّ القائلِ
جُمِّعَ الحرامُ على الحلالِ ليكثرَهُ *** دخلَ الحرامُ على الحلالِ فبعثرَهُ
ومِن أهمِّ صفاتِ المستثمرِ: أنْ يعلمَ أنَّ للهِ حقًا في مالهِ الذي مِن خلالهِ يساعدُ وطنَهُ بحلِّ المشاكلِ المجتمعيةِ فيساعدُ الفقراءَ والمساكين قالَ جلَّ وعلَا :)) والذين في أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ . لِّلسَّآئِلِ والمحروم (((سورة المعارج 19 ) قال بعضُ المفسرين: الحقُّ المعلومُ: إنَّهُ حقٌ سوى الزكاةِ يصلُ بهِ رحمًا، أو يقرِي بهِ ضيفًا، أو يحملُ بهِ كلًّا، أو يغنِي محرومًا .
ومِن أهمِّ صفاتِ المستثمرِ: البعدُ عن اكتنازِ المالِ فاللهُ عزَّ وجلَّ حرّمَ اكتنازَ المالِ وحبسَهُ عن التداولِ، فقالَ: ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ (التوبة: 34) وحثَّ الإسلامُ على استثمارِ المالِ مِن طريقٍ شرعيٍّ كالتجارةِ، والزراعةِ، والصناعةِ والحرفِ.
ومِن أهمِّ صفاتِ المستثمرِ: البعدُ عن الطرقِ غيرِ الشرعيةِ كالغشِّ، والطمعِ، والاستغلالِ، و الرشوةِ، الربَا، الاحتكارِ، السرقةِ، الظلمِ، تجارةِ المخدراتِ، القمارِ، تجارةِ الخمورِ وغيرِهَا مِن المحرماتِ …فالمؤمنُ التقيُّ هو الذي يبحثُ عن الحلالِ، ويبتعدُ عن الحرامِ، ويتورعُ عن المتشابهِ كما في الصحيحين مِن حديثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:“ الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ“ (متفق عليه) وقالَ ربُّنَا:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ }(سورة البقرة :168) فانتبهْ يا مَن تعيشُ على الحرامِ ، يا مَن تعيشُ على الرشوةِ، يا مَن تعيشُ على الربَا، أنت على خطرٍ عظيمٍ أنت على طريقِ الهلاكِ في الدنيا والآخرةِ.
أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لِي ولكُم
الخطبةُ الثانيةُ الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلَّا لهُ وبسمِ اللهِ ولا يُستعانُ إلَّا بهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ …………………… وبعدُ
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة
ثالثًا وأخيرًا: الصحابةُ الأخيارُ خيرُ مثلٍ للاستثمارِ الوطنِي.
أيُّها السادةُ: أصحابُ محمدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلم كانُوا خيرَ مثالٍ للدنيا كلِّهَا في الطاعاتِ والعباداتِ والقرباتِ والعملِ والسعيِ في الأرضِ والاستثمارِ مِن أجلِ أوطانِهِم؛ رفعةً لدينِهِم، ولنبيِّهِم صلَّى اللهُ عليه وسلم، ورفعةً لأمتِهِم ووطنِهِم، فضربَ الصحابةُ أروعَ الأمثلةِ في العطاءِ في تجهيزِ جيشِ العسرةِ في غزوةِ تبوكٍ لما وقفَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم وقالَ: مَن يجهزُ هؤلاءِ ولهُ الجنة؟ اللهُ أكبرُ، فجاءَ أبو بكرٍ رضي اللهُ عنه بمالِهِ كلِّهِ وكانَ أربعةَ آلافِ درهمٍ، وجاءَ عمرُ رضي اللهُ عنه بنصفِ مالِهِ، وجاءَ عبدُ الرحمنِ بنُ عوفٍ رضي اللهُ عنه بنصفِ مالِهِ، وجاءَ العباسُ رضي اللهُ عنه بمالٍ كثيرٍ .. شاركَ وسارعَ الصحابةُ رضوانُ اللهِ عليهِم في تجهيزِ جيشِ العسرةِ، حتى النساء جئنَ بمَا قدرنَ عليهِ مِن صدقاتٍ وحُليٍّ، ووضعنَهُ بينَ يديِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلم؛ طمعًا في وعدِهِ صلَّى اللهُ عليه و سلم بقولهِ مَن جهزَ جيشَ العسرةِ فلهُ الجنة، وكلُّ هذا استجابةً لنداءِ ربِّهِم في قولهِ سبحانَهُ: ((انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ((التوبة:41) وهذا عثمانُ رضى اللهُ عنه وأرضَاهُ الذي خدمَ الإسلامَ والمسلمين بمالِهِ يجهزُ جيشَ العسرةِ بمالهِ؛ خدمةً لدينهِ وأمتهِ، ورفعةً لوطنهِ حيثُ دعا النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم في المسجدِ لجمعِ المالِ لتجهيزِ الجيشِ فقامَ عثمانُ وقال : علىَّ مائةُ بعيرٍ يا رسولَ اللهِ بأحلاسِهَا واقتابِهَا لكنْ لا تكفِي فدعا الناسَ إلي زيادةِ الإنفاقِ وقالَ: مَن يجهزَ الجيشَ؟ فقامَ مرةً ثانيةً عثمانُ رضي اللهُ عنهُ وقال : عليٌ مائتين بعيرٍ يا رسولُ اللهِ بأحلاسِهَا وأقتابِهَا فدعَا لهُ الرسولُ بخيرِ لكنْ لا تكفِي وقال الرسولُ مَن يجهزُ الجيشَ؟ فقالَ عثمانُ للمرةِ الثالثةِ: عليٌ ثلاثمائةٍ يا رسولَ اللهِ بأحلاسِهَا واقتابِهَا وألف دينارٍ حتى إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم قالَ : ((ما ضَرَّ عثمانَ ما عملَ بعدَ اليوم, اللهم ارضَ عن عثمانَ فإنِّي عنهُ راضٍ، غفرَ اللهُ لكَ يا عثمانُ ما أعلنتَ وما أسررتَ وما هو كائنٌ إلى يومِ القيامةِ ))(رواه الترمذيّ). بل وخدمَ عثمانُ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ـ الإسلامَ بمالهِ وثروتهِ فقد كان يبذلُ المالَ لنصرةِ دينِ اللهِ تعالى فعندمَا هاجرُوا إلي المدينةِ كانتْ بئرُ رومه يشترِي منها المساكينُ الماءَ وليس لديهِم مالٌ فقالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم مَن يشتريهَا مِن خالصِ مالهِ فيكونُ دلوهُ فيهَا كدلاءِ المسلمين وله خيرٌ منهَا في الجنةِ؟ فاشتراهَا عثمانُ مِن خالصِ مالهِ وتركَهَا لوجهِ اللهِ للمسلمين. فالمستثمرُ الوطنيُّ هو الذي لا يخدعُ ولا يغشُّ ولا يخونُ ولا يحتكرُ كعثمانَ بنِ عفان رضي اللهُ عنه وأرضاه بل يقفُ مع وطنهِ في أزماتهِ، فلما جاءتْ تجارةٌ من بلادِ الشامِ تحملُ دقيقًا على ألفِ جملٍ، ولم يكنْ في المدينةِ كلِّهَا حفنةُ قمحٍ، فجاءَهُ تجارُ المدينةِ وقالُوا لهُ: اعطنَا تجارَتَك ولك ما تشاء، قال: كم تعطونِي فيها؟ قالوا: ضعفَ ثمنِهَا، قال: جاءنِي مَن زادنِي عن ذلك، قالوا، نعطكَ الضعفين، قال: جاءنِي مَن زادنِي عن ذلك، قالوا: ومَن الذي جاءكَ ونحن تجارُ المدينةِ ولم يبقَ تاجرٌ مِن المدينةِ إلّا جاءَ معنَا؟!!، قال: (أُشهدكُم أنِّي جعلتُهَا صدقةً على فقراءِ المسلمين، واللهُ عزَّ وجلَّ أعطانِي على ذلك عشرةَ أضعافٍ)). (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا) (الأنعام:160 (هؤلاءِ هم التجارُ المستثمرون الذين ربَّاهُم المصطفَى وكفَى، وجعلَهُم في خدمةِ مجتمعِهِم، يسعونَ إلى منافعِ إخوانِهِم، فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ رضي اللهُ عنه عَنِ النَّبِىِّ صلَّى اللهُ عليه وسلم قَالَ: “التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ) (رواه الترمذي(
فاللهَ اللهَ في الاستثمارِ الحقيقِي مع اللهِ، اللهَ اللهَ في الاستثمارِ للمحافظةِ على الأوطانِ، اللهَ اللهَ في التكاتفِ الوطنِي في الأزماتِ، وللهِ درُّ القائلِ:
مَن يَفعَلِ الخَيرَ لا يَعدَم جَوازِيَهُ***لا يَذهَبُ العُرفُ بَينَ اللَهِ وَالناسِ
وللهِ درُّ القائلِ:
وأفضلُ الناسِ ما بينَ الورى رجلٌ *** تقضى *** تُقضَى على يدهِ للناسِ حاجاتُ
لا تمنعنَّ يدَ المعروفِ عن أحدٍ *** ما دمتَ مقتدرًا فالعيشُ جناتُ
قد ماتَ قومٌ وما ماتتْ مكارمُهُم *** وعاشَ قومٌ وهم في الناسِ أمواتُ
حفظَ اللهُ مصرَ من كيدِ الكائدين، وشرِّ الفاسدين وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.
كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه
د/ محمد حرز
إمام بوزارة الأوقاف
_______________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف